فصل: الخبر عن مهلك الامير أبي زكريا صاحب بجاية من الأنباء وما كان بعد ذلك من ثورة أهل بجاية بأخيه الأمير أبي حفص وولاية ابنه الأمير عبد الله:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الخبر عن مهلك الامير أبي زكريا صاحب بجاية من الأنباء وما كان بعد ذلك من ثورة أهل بجاية بأخيه الأمير أبي حفص وولاية ابنه الأمير عبد الله:

كان السلطان أبو بكر لما هلك الحاجب بن عمر عقد على بجاية لابنه الأمير أبي زكريا كبير ولده وأنفذه إليها مع حاجبه محمد بن القالون كما ذكرناه وجعل أموره تحت نظره ثم رجع القالون إلى تونس فأنزل معه ابن سيد الناس كذلك فلما استبد سيد الناس بحجابة الحضرة جعل على حجابته أبا عبد الله بن فرحون ثم لما تقبض على ابن سيد الناس وعلي ابن فرحون وقد استبد الأمير أبو زكريا بأمره وقام على نفسه فوض إليه السلطان الأمر في بجاية وبعث إليه ظافرا السنان مولى أبيه الأمير أبي زكريا الأوسط قائدا على عسكره والكاتب أبا إسحق بن علاق متصرفا في حجابته فأقاما ببابه مدة ثم صرفهما إلى الحضرة وقدم بحجابته أبا العباس أحمد بن أبي زكريا الرندي كان أبوه من أهل العلم وكان ينتحل مذهب الصوفية الغلاة ويطالع كتب عبد الحق بن سبعين ونشأ أحمد هذا ببجاية واتصل بخدمة السلطان وترقى في الرتب إلى أن استعمله الأمير أبي زكريا كما قلناه ثم هلك وقد أنف السلطان أبو بكر من الأمراء هؤلاء على حجابة ابنه فأنفذ لها من حضرته كبير الموحدين يومئذ وصاحب السفارة أبا محمد بن تافراكين سني أربعين وسبعمائة فأقام أحوال ملكه وعظم أبهة سلطانه وجهز العساكر لسفره وأخرجه إلى أعماله فطاف عليها وتفقدها وانتهى إلى تخومها من المسيلة ومقرة ولم يستكمل الحول حتى سخطه المشيخة من أهل بجاية لما نكروا من الأبهة والحجاب حتى استغلظ عليهم باب السلطان وتولى كبر ذلك القاضي ابن يوسف تعنتا وملالا واستعفى هو من ذلك فأعفي وعاد إلى مكانه بالحضرة.
ثم استقدم الأمير أبو زكريا حاجبه الأول بعهد ابن سيد الناس وهو أبو عبد الله محمد ابن فرحون وقد كان السلطان بعثه في غرض الرسالة إلى ملك المغرب في الأسطول الذي بعثه مددا للمسلمين عند إجازة السلطان أبي الحسن إلى طريف وكان أخوه زيد بن فرحون قائد ذلك الأسطول بما كان قائده ببحر بجاية فلما رجع أبو عبد الله ابن فرحون من سفارته تلك أذن له في المقام عند الأمير أبي زكريا واستعمله على حجابته إلى أن هلك فولي من بعده في تلك الخطة ابن القشاش من صنائع دولته ثم عزله وولى عليها أبا القاسم بن علناس من طبقة الكتاب واتصل بدار هذا الأمير وترقى في ديوانه إلى أن ولاه خطة الحجابة ثم عزله وولى يحيى بن محمد بن المنت الحضرمي كان أبوه وعمه قدما على جالية الأندلس وكانا ينتحلان القراآت.
وأخذ أهل بجاية عن عمه أبي الحسن علم القراآت وكان خطيبا بجامع السلطان ونشأ علي ابن أخيه واستعمل في الديوان وكان طموحا للرياسة واتصل بحظية كانت للمولى أبي زكريا تسمى أم الحكم قد غلبت على هواه فرسمت على ابن المنت هذا بخطة الحجابة واستعمله فيها فقام بها وأصلح معونات السلطان وأحوال مقاماته في سفره وجهز له العساكر وجال في نواحي أعماله.
وهلك هذا الأمير في إحدى سفراته وهو على حجابته بتاكرارت من أعمال بجاية من مرض كان أزمن به في ربيع الأول سنة سبع وأربعين وسبعمائة وكان ابنه الأمير أبو عبد الله في حجر مولاه فارح بن معلوجي ابن سيد الناس وكان اصطنعه فألفاه قابلا للترشيح فأقام مع ابن مولاه ينتظر أمر الخليفة وبادر حاجبه الأول أبو القاسم بن علناس إلى الحضرة وأنهى الخبر إلى الخليفة فعقد على بجاية لابنه الأمير أبي حفص كان معه بالحضرة وهو من أصاغر ولده وأنفذه إليها مع رجاله وأولى اختصاصه.
وخرج معه أبو القاسم بن علناس فوصل إلى بجاية ودخلها على حين غفلة وحمله الأوغاد من البطانة على إرهاف الحد وإظهار السطو فخشي الناس البوادر وائتمروا ثم كانت في بعض الأيام هيعة تمالأ فيها الكافة على التوثب بالأمير القادم فطافوا بالقصبة في سلاحتهم ونادوا بإمارة ابن مولاهم ثم تسوروا جدرانها واقتحموا داره وملكوا أمره وأخرجوا برمته بعد أن انتهبوا جميع موجوده وتسايلوا إلى دار الأمير أبي عبد الله محمد ابن أميرهم ومولاهم بعد أن كان معتزما على التقويض عنهم واللحاق بالخليفة جده وأذن له في ذلك عمه القادم فبايعوه بداره من البلد ثم نقلوه من الغد إلى قصره بالقصبة وملكوه أمرهم وقام بأمره مولاه فارح ولقبه باسم الحجابة واستمر حالهم على ذلك ولحق الأمير أبو حفص بالحضرة آخر جمادي الأولى من سنته لشهر يوم ولايته إلى أن كان من شأنه بعد مهلك مولانا السلطان ما نذكره وتدارك السلطان أمر بجاية وبعث إليهم أبا عبد الله بن سليمان من كبار الصالحين ومشيخة الموحدين يسكنهم ويؤنسهم وبعث معه كتاب العقد عليها لحافده الأمير أبي زكريا طابا مرضاتهم فسكنت نفوسهم وأنسوا بولاية ابن مولاهم وجاءت الأمور إلى مصايرها كما نذكره بعد إن شاء الله تعالى والله ولي التوفيق.